A review by al_sharnaqi
قدمي اليسرى by Christy Brown

5.0

يقول آثر غولدن في روايتهِ "اعترافات غايشا" على لسان الرَاوِيَة: "لا أظنّ أنّه بإمكان أيّ منّا أنْ يتحدّث عن الألم بكلّ صَراحة إلّا بعدَ أنْ يتخَطّاه.". وهذا فعلًا ما اختتم به كريستي براون سيرتهُ الذاتيّة واصفًا حالهُ في مقعدهِ على خشبة المسرح يقول: " الآن أستطيع أن أسترخي وأستمتع بكل شيء. لقد وصلت إلى السلام الداخلي. أصبحت سعيدًا مسترخيًا في مقعدي، في حين كانت قدمي اليسرى القديمة تهزم الزمن مع إيقاع الأغنية.".

يا لها من سعادة مطلقة أن يفهم الإنسان نفسه وكيانه والألم الذي يعبر خلاله كيّ يعيش بمعنى تامّ حين يتجاوزه بوعيٍ وإدراك. وفي المقابل يَا لها من تعاسة مهلكة، وأيّما تعاسة أن يظل المرء يصارع طِوال عمرهِ ألمًا لا يفهمهُ ولا يدركه حتى، فلا يتمكن من تخطيهِ يومًا.
أول ما قرأتُ هذه الرواية وتقدمتُ في قراءتها شيئًا فشيئًا، تذكرتُ رواية "بالأبيض على الأسود" التي كانت سيرة ذاتية هي الأخرى ل حالةٍ مشابهة لحالة كريستي براون. إلا أن الرواية هناك في "بالأبيض على الأسود" كانت تملؤها السوداوية كأيّ عملٍ روسيٍ آخر. يطغى عليه الأسى والحزن والمأساة المتداعية. بينما هنا في هذه العمل "قدمي اليسرى" الأمر مختلفٌ تمامًا. بالطبع أنا لا أجري مقارنة بين العملين، فكل عملٍ منهما حالة قائمة بذاتها، وحياة منفردة بذاته. لكن الممتع في قراءة هذا العمل، الشجاعة والصدق والصراحة والجرأة أيضًا التي تحلى بها الكاتب مع نفسه قبل أيّ أحدٍ آخر، حتى تمكن من كتابة سيرتهِ على نحو صادقٍ شفافٍ مثيرٍ للاهتمام. ويَا لها من شجاعة يصعب التحلي بها في موضع وحالٍ كتلك.

إنها حقًا لسيرة مثيرة للاهتمام. ولكُم أن تتصوّروا كيف سيثيرُ فيكم أحدهم كل المشاعر التي شعر بها في حالة ما مرّ بها ما إن استطاع تجاوزها وتخطيها بعد فهمٍ عميق للحالة التي هو فيه. ولكَم أتمنى أن أكرر اللقاء قراءةً كهذه في أسرع وقتٍ ممكن. وقولي هذا كفيلٌ بأن يكون بمثابة توصية لكم يا أصدقاء لقراءة رواية "قدمي اليسرى".