A review by al_sharnaqi
من الجنس إلى أعلى مراحل الوعي by Osho, أيمن أبو ترابي

5.0

بداية إن هذا الكتاب ليس سوى محاضراتٍ قد تم جمعها على التراتب التي تمّ إلقاؤها في وقتها لتظهر الآن على هيئة كتاب مقروء. وحالما بدأتُ بقراءتهِ، استذكرتُ كتابًا آخر كان على ذات الشاكلة، كتاب "طرق التربية وحقائق التحليل النفسيّ" للمحاضرة: فرانسواز دولتو. والذي حتمًا أنصح بقراءتهِ للجميع من غير تفكير، وخاصة أولئك المربُون الذين يقع بين أيديهم أطفالًا وأجيالًا. ولم أستذكر هذا الكتاب لهذا التماثل وحسب، وإنما قراءة بعض مقاطع كتاب أوشو هذا، قد تقاطع في بعض ما جاء فيه مع كتاب "طرق التربية وحقائق التحليل النفسي". فكلاهما تطرقا لموضوع الجنس من وجهة نظر الأطفال، وكيف أن الوالدّين يفقدون قداستهم عند أطفالهم حين يعلم الأطفال بأن الإثم والخطيئة الذي يُحذَرُون منه ألا وهو الجنس، يمارسُه أباءهم وأمهاتهم الذين يحذِرونهم منه. غير أن أوشو لم يفصل ولم يتعمق في الحديث في هذه الناحية كثيرًا كما تخصصت وتعمقتْ فيه فرانسواز دلتو في كتابها. لذا، من الجيّد لو أن تقرؤوا أيضًا ذلك الكتاب. بتوصية مضمونة مني أعزائي القرّاء : )

نأتي لأوشو وما جاء في كتابه "من الجنس إلى أعلى مراحل الوعي".
يقول أوشو بأن الذي يعرف كيف يشعلُ ضوءً ويطفئه من زر التحكم بالإضاءة، ليس بالضرورة بأن يعرفَ شيئًا في علم الكهرباء. كما أن الذي يعرفُ كيف يقود سيارةً ويدير محركها ليمضي بها أيّنما كانت وجهته، ويعرف أيضًا كيف يطفئ المحرك ليعيده ساكنًا كحاله الأول، ليس بالضرورة كذلك أن يعلم شيئًا عن المحركات وآليّة عملها، ولا عن الميكانيكا، ولا عن أيّ شيءٍ يمتُ بصلة لتلك المجالاتِ شيئًا. والشيء ذاتَه يقع في قضية الجنس، فمن يعرف كيف يمارس الجماع ويقوم بعملية الحبّ، ليس بالضرورة كذلك بأن يعرف شيئًا عن علم الجنس.
إن الجنس علمٌ كما يقوله أوشو، وفي حين أنّا نحن البشر ندعي بأنّنا نعرف كل شيء ونتصرّف كما لو أنّنا نعرف كل شيء، فنتيجة لذلك تتشوش حياتنا.
نظن أنّنا نعرف الأجوبة، لكن النتائج تُظهرُ كَمْ أن إدراكنا لِحَقيقة الحياة هو غير دقيق بالفعل، ذلك أن حياة كل واحد منا تُظهر أنّنا لا نعرف مطلقًا أي شيء عن الحياة، وإلّا لِمَ يوجد الكثير من اليأس، والكثير من البؤس، والكثير من القلق؟
فالشيء ذاته يحدث فيما يتعلّق بمعرفتنا عن الجنس. يقول أوشو بأننا لا نعرف أي شيء عنه، وربما لا توافقوه على هذا الرأي، ولربما تقولون في خلدِكم: "من الجائز جدًا بأنّا لا نعرف أي شيء عن الروح وعن الله، ولكن كيف تقول لنا بأنّا لا نعرف شيئًا عن الجنس؟".
ومن المحتمل أيضًا كما يحدث مع معظم الذي سمعوا أوشو يتحدث عن الجنس، أو قرأوا له بأن تقولوا أيضًا بدوركم بأنه ثمّة أطفالٌ وأزواجٌ في حياتكم، فكيف من الممكن أن تُصدّقوا بأنكم لا تعرفُون شيئًا عن الجنس؟ ومع ذلك يتجرأ أوشو ويقول: بأنكم في حقيقة الأمر لا تعرفون شيئًا عن الجنس، على الرغم من أنه قد يكون من الصعب عليكم بأن توافقوهُ على ما يقول. وربما مررّتُم بتجارب جنسية كذلك، لكنكم لا تعرفون عن الجنس أكثر مما يعرفه الحيوان، كون أنّ القيامّ بعملية ما بصورة ميكانيكية ليس كافيًا لمعرفتها. والمرء قد يقود سيارته ألف ميل، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أنه يعرف أي شيء عن المحرّك، وربما قد تسخرون من كلامه.
وعلى ضوء هذا، يتعمق أوشو في شرح وجهة نظره وكيف أن ممارسة الشيء لا يعني بالضرورة المعرفة عنه. إذن، أي شخص يمكنه أن يتزوّج -كما يقول أوشو-، وأي شخصٍ يمكنه إنجاب الأطفال كذلك، وهذا لا علاقة له بفهم الجنس. فالحيوانات تتكاثر وتتوالد، ولكن ذلك لا يعني بأنها تعرف شيئًا عن الجنس. فهل تصدقون أن حيوانًا ما قد يعرف عن الجنس كعلم قائم بحد ذاته؟
وحقيقة الأمر هو أن الجنس لم يُّدرّس بشكل علمي، ولم ينشأ علم، أو فلسفة للجنس لأن كل إنسان يعتقد أنه يعرف عن الجنس. وفي الحقيقة، لم يسبق لأحد أن شعر بالحاجة إلى وجود كتاب مقّدس عن الجنس وهذا خطأ فادح ارتكبتُهُ البشرية.
فعندما يأتي اليوم الَّذي نضع فيه كتابًا مقدّسًا، أو علمًا كاملًا، أو نظامًا تفكير كامل عن الجنس، فسوف نولّد جنسًا بشريًا جديدًا، وعندئذ لن يكون هناك إنجاب لمثل هذه الكائنات البشرية البشعة والضعيفة والعرجاء، ولن نعود نراها على الأرض.

يقول أوشو بأن الأمر والقضية المعلقة هنا لا يتعلق فقط بالجنس وحده، وإنما كيف ننظر إلى الجنس نحن الذين نمارسه على أنه خطيئة وإثم مرتكب، بل وكيف نمارس حال ممارستنا له. إذ أنّنا لولا الحاجة إلى استمرار النسل الذي نسعى إليه كيّ لا تنقرض البشرية، لما كنا لنمارس الجنس. فكيف من الممكن والمعقول أن يَنتج أطفالًا أصحاء عقليًا، نفسيًا، وجسديًا، والأهم من ذلك روحيًا، من عملية تمارسُ على أنها خطيئة وإثم قبيحٌ مرتكب. فبنتيجة أي شيء نفعلهُ يتوقّف على الموقف العقلي والروحي الّذي نتصرف من خلاله، فإذا صنع نحاتٌ مخمور تمثالًا، فهل من المتوقع منه أن يخلق قطعة فنّية جميلة؟ وهل نتوقع من راقصة باليه وهي ترقص أن تُقدّم عرضًا شيقًا إذا كانت مضطربة عقليًّا أو غاضبة أو ممتلئة بالحزن؟ وبالمثل، يحدث تمامًا عند ممارسة الحبّ، فالنتيجة التي تتولّد من عملية الجماع أيّ الأطفال، يكونون طبقًا للأصل؛ أي على الحال الذي كان عليه الثنائي -الأب والأم- حين كانوا يقومون بعملية الإنتاج أي الجماع. وعلى ضوء هذا، نرى كم أن الأشخاص الذين نتجوا عن عملية جماع مقدسة، نادرون، لكنهم موجودون. بخلاف العدد الهائل من الأطفال والأشخاص الذين نتجوا عن عملية جماع ميكانيكية مبتذَلة، منتشرون على بقاع الأرض كله.

يتحدثُ أوشو في هذا الكتاب الذي تم جمعهُ من محاضراته على التراتب ذاته، ليس عن الجنس وحسب كما يظهر ذلك من عنوان الكتاب. بل يتخصّص في حديثه عن الجنس وكل ما يتعلق به من حبّ، حياة، أطفال، روح... إلخ وعلاقة كل هذا بالجنس والرابط بينهم، وكيف أن الجنس ليس مجرد عملية بهدف استمرارية النسل والمحافظة عليه، أو لغرض الحصول على النشوة منه، بل إنّ الأمر يتعدى ذلك بأشواطٍ كثيرة.

يختتم أوشو الكتاب أو محاضراته بقوله بأنه من الممكن جدًا في غضون خمسمئة سنة القادمة أن يتناول كل إنسان على هذه الأرض العقاقير المنومة قبل أن يذهب إلى السرير. أما الطفل الذي وُلدّ، فسيطلب على الفور مهدّئًا بدل الحليب، ذلك أنه لم يكن في سلام وهو في رحم أمه! بعدها سيكون من الصعب جدًّا إقناع النّاس في ذلك الحين، أن البشر قبل خمسمئة سنة كانوا يخلدون إلى النوم من دون عقاقير منوّمة. وسيقولون بأن هذا غير ممكن، وسوف يتساءلون بعدها: كيف حصل هذا الأمر؟ وبالمثل، سيكون من الصعب جدًّا إقناع الذين وُلِدُوا من العزوبة -الجنس المقدس- بأن النّاس من قبل كانوا منافقين، وبأنه فيما مضى كان هناك لصوص وقتلة، وبأن هناك أناس انتحروا، وأنهم سمموا وطعنوا بعضهم البعض وشنوا الحروب. كما لن يصدّقوا أيضًا أن البشر من قبل كانوا يولدون من جرّاء نشاط جنسي مُبتذَل، ولم يذهبوا إلى ما هو أعمق من مجرّد الاتصال الجسدي قيد أنملة.

قبل أن أختم مراجعتي، أودّ أن أوضح للقرّاء أن قراءة هذا الكتاب يتطلبُ وعيًا وثقافة جنسية، على أقل تقدير شيئًا أساسيًا. فالكتاب ليس مفصلًا في الموضوع الذي تناوله ولا مخصص للدراسة كذلك في هذا الموضوع. وإنّما لا يتعدى مجموعة محاضراتٍ تم تجميعها، ولكُم أن تتصوّروا بأن عدّة محاضراتٍ مهما بلغ عددها، سوف لن تُؤدي الغرض المرجُو من كتاب قد كُتب وأُلفَ في تناول الموضوع المتحدث عنه. لذا، أيها القرّاء الأعزاء، قبل أن تبدؤوا في قراءة هذا الكتاب، عليكم بأن تكونوا واعين تمامًا لما أنتم مقبلون على قراءته. وعلى هذا، وجب أن يكون لديكم خلفية عن موضوع الجنس قبل الخوض في قراءة هذا الكتاب. إلّا أنّي ورغم ذلك، أتمنى من كل أصدقاء القراءة بأن يقتنوه بوعيّ كامل تمامًا، لا وعيٍ سطحي، فالكتاب ليس مفصلًا، أكرر ذلك. وأتمنى لكم قراءة ورحلة شيّقة مع الكتاب.